الصفحة الرئسية / الأخبار / كيف تغير المملكة العربية السعودية قواعد ممارسة التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي؟
07 Nov 2023

كيف تغير المملكة العربية السعودية قواعد ممارسة التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي؟

  # كيف تغير المملكة العربية السعودية قواعد ممارسة التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي؟     ## بقلم: برهان بن مينا

الرئيس التنفيذي لشركة Shipa للتوصيل

 

قبل بضع سنوات، وإثر إعلانها عن خططها لتغيير سلاسل الإمداد الإقليمية، وجعل دول مجلس التعاون الخليجي لاعباً مهيمناً في التجارة الإلكترونية، قوبلت مبادرة المملكة العربية السعودية هذه بالتشكيك.  

في ذلك الوقت، كانت عمليات التسليم عبر الحدود إلى المملكة بمثابة كابوس بسبب البيروقراطية وما يتطلبه ذلك من إجراءات روتينية ورقية، وكان قطاع النقل يفتقر إلى الشبكات اللوجستية الداخلية. وكان تجار التجزئة العالميون عبر الإنترنت يفضلون خدمة العملاء السعوديين عن طريق تحويل البضائع عبر مراكز إقليمية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة أو البحرين.  

حالياً، أصبح المتشككون على قناعة جديدة بإمكانية التغيير. فسوف تصل إيرادات التجارة الإلكترونية السعودية إلى 10 مليارات دولار أمريكي هذا العام، مما يجعل البلاد تحتل المرتبة 28 من حيث أكبر سوق عبر الإنترنت في العالم، وتضعها على قدم المساواة مع جارتها الإقليمية - الإمارات العربية المتحدة. كما من المتوقع أن يتسع نمو الإيرادات عبر الإنترنت بنسبة 13.5% سنوياً حتى عام 2027، وهو أسرع بكثير من متوسط النمو العالمي البالغ 11.2%. وبالنسبة للمجالات الرئيسية الأخرى مثل الاستثمار والقدرة اللوجستية وكميات الشحن، فمن المتوقع أن تتفوق المملكة العربية السعودية على الإمارات العربية المتحدة - موطن قطاع التجارة الإلكترونية الأكثر نضجاً وسرعان ما ستثبت نفسها كشركة رائدة في التجارة الإلكترونية بالمنطقة.  

ما الذي يدفع التجارة الإلكترونية السعودية للنمو؟

تنطوي استراتيجية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على أهداف اقتصادية شاملة تدفع النمو في اقتصادها الرقمي. وتسعى المملكة لأن تصبح مركزاً عالمياً وإقليمياً  للنقل والخدمات اللوجستية، وتعمل بكل عزم على توسيع مصادر الدخل من قطاعات الأعمال غير النفطية مثل التصنيع المحلي والصادرات.  

وتحدد خطة رؤية 2030 للمملكة التجارة الإلكترونية بأنها رافعة أساسية تحتاجها لتعزيز توسع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تمثل حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة، ولكنها تحقق ما يقرب من 70% في الاقتصادات المتقدمة. ويعاني قطاع التجزئة السعودي الأوسع من اختراق محدود للتجارة الحديثة والتجارة الإلكترونية"، وهو الأمر الذي ترثية وثيقة رؤية 2030.

  ## كيف تتجسد طموحات المملكة في مجال التجارة الإلكترونية بوتيرة سريعة على أرض الواقع؟

عند الحديث عن الافتقار لشبكة لوجستية محلية، فقد قامت المملكة العربية السعودية بتبسيط عملية منح التراخيص لمزودي خدمات التوصيل المحلية، وأنشأت مستويات متعددة من التراخيص. وكانت النتيجة نمواً هائلاً في عدد شركات التوصيل - من خمسة إلى ما يقرب من 20 شركة دولية، وما يقدر بحوالي 100 أو نحو ذلك من مزودي الخدمات المحليين. وفي الوقت نفسه، تدفقت استثمارات جديدة لتعزيز قدرات التخزين والتنفيذ والنقل بالشاحنات.  

والنتيجة هي أن المدن والبلدات السعودية الأصغر حجماً، وبخاصة في الداخل والجنوب، والتي كانت فعلياً "خارج الشبكة" عندما يتعلق الأمر بالتجارة الإلكترونية قبل بضع سنوات فقط، أصبحت الآن مرتبطة بشبكة لوجستية ونقل فعالة وسريعة التحسن.  

لا يوجد نقص في الجهات الرقابية السعودية التي لها يد في قطاع التجارة الإلكترونية. لكن الوزارات والهيئات الرئيسية - وزارة التجارة، هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، الجمارك السعودية، الهيئة العامة السعودية للاستثمار، الهيئة العامة للنقل وغيرها – تحولت الى العمليات الرقمية نتيجة لخطة أتمتة للأعمال الرقمية واللوجستية. حيث بسَّطوا القواعد، وخففوا الاجراءات والمتطلبات المرهقة، وأزالوا المناطق الرمادية. وأصبحت الموافقات بالنسبة لبعض الإجراءات، في نفس اليوم أو فورية.  

ومن أجل تعزيز ثقة المستهلك ومحاربة الاحتيال، أصدرت وزارة التجارة العام الماضي قوانين جديدة تلزم تجار التجزئة الإلكترونيين بتقديم معلومات الكفالة على الفواتير، وتوفير خيارات دفع متعددة، والتتبع، وإجراءات إلغاء الطلب، وتعليمات الإرجاع والاسترداد. وبعث مجلس التجارة الإلكترونية في البلاد رسالة قوية من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد أكثر من 200 بائع لفشلهم في تزويد المستهلكين بمعلومات الاتصال وخيارات الدردشة وقنوات الدفع الآمنة وآليات حل الشكاوى وخدمة اللغة العربية.    

قوة صندوق الاستثمارات العامة

في كل من الخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية، استخدم صناع السياسة السعوديون قوة صندوق الثروة السيادية المتين في البلاد، صندوق الاستثمارات العامة.  

لقد سمح نفوذ صندوق الاستثمارات العامة بالاستحواذ على حصص كبيرة في كبرى شركات تجارة التجزئة العالمية، وشركات التجارة الإلكترونية، ومزودي خدمات الدفع، بما في ذلك نون، شوبيفاي، بينتريست، وولمارت، فيزا، باي بال، كما أصبح صندوق الاستثمارات العامة بمثابة جسر المملكة إلى الصين، حيث استثمر في شركتي علي بابا  وأيضاً بيندودو، الأمر الذي مهد الطريق لتوسعهما في سوق التجارة الإلكترونية السعودي.  

ومن أجل تحديث وتوسيع الشبكة اللوجستية في البلاد، استثمر صندوق الاستثمارات العامة في كبار مزودي البنية التحتية المملوكة للدولة: الشركة السعودية للنقل العام؛ طيران الرياض؛ الشركة السعودية للخطوط الحديدية؛ الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري؛ الموانئ السعودية العالمية.  

مزايا المملكة العربية السعودية

وفقاً للبنك الدولي، تتمتع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى - الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، بأعلى معدل استخدام للإنترنت للفرد في العالم بنسبة 100%، وتتمتع المملكة العربية السعودية بواحدة من أعلى معدلات انتشار الهواتف الذكية في العالم (97%)؛ بالإضافة لذلك، تعد اشتراكات النطاق العريض المتنقل أعلى في المملكة منها في معظم الأسواق المتقدمة، وتحتل الدولة المرتبة العاشرة في العالم من حيث أسرع سرعة للإنترنت.  

وكما أن المملكة هي العضو المهيمن في أوبك و"المنتج المتأرجح"، حيث أن المملكة العربية السعودية هي صاحبة الوزن الثقيل ضمن دول مجلس التعاون الخليجي الست، فهي تمثل 62% من سكان دول مجلس التعاون الخليجي؛ 84% من مساحة اليابسة؛ ونسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي الجمعي؛  

ويعتبر قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية ميزة أخرى لأنه أكبر وأكثر تنوعاً    وأكثر حيوية من قطاعات الشركات الصغيرة والمتوسطة في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وقد تجلى حرص المملكة على تخصيص الموارد لتطوير التجار المحليين والعلامات التجارية السعودية التي لديها إمكانات تصديرية من خلال دعمها لحملة 100 علامة تجارية سعودية الموجهة نحو الموضة وغيرها من المبادرات.  

ويستخدم صناع السياسة السعوديون هذه الرافعة لجعل البلاد مركزاً قوياً للتجارة الإلكترونية في المنطقة أيضاً: فاعتباراً من الأول من يناير، سيكون من الصعب جداً خدمة السوق السعودية من دبي أو أي مركز شحن ترانزيت آخر. وذلك لأن التجار والأسواق وغيرهم من اللاعبين في النظام البيئي الرقمي (بما في ذلك المحامون والاستشاريون والبنوك) سيحتاجون إلى أن يكونوا "سعوديين" مع تواجد فعلي وقانوني وموظفين داخل المملكة.  

تتزايد أهمية سعودة الأسواق والمنصات والتجار والعلامات التجارية لأن البائعين يدركون أنها ضرورية لنجاحهم. وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت شركة الاستشارات العالمية كيرني وشركة الاستشارات السعودية مكاتفة تقريراً توقع أن 74% من المتسوقين عبر الإنترنت في المملكة سيتحولون من المنصات العالمية إلى المنصات المحلية.  

التحديات المقبلة

إن النمو السريع في التجارة الإلكترونية السعودية يعني صعوبات متزايدة. خدمة التوصيل غير متساوية، خاصة في المدن والبلدات المتوسطة والصغيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى حرص العديد من التجار على الأسعار المنخفضة أكثر من حرصهم على جودة الخدمة. ومن أجل احترام العادات والتقاليد المحافظة، يستخدم مزودو خدمات التوصيل بروتوكولات خاصة تسمح لسائقيهم الذكور بتوصيل الطرود إلى الأسر التي تتواجد فيها النساء فقط - وهو حل مرهق مع استمرار تفضيل الكثيرون في المملكة لخيار الدفع النقدي عند التسليم.  

يعتبر الحصول على موظفين موهوبين والحفاظ عليهم مشكلة أيضاً. وذلك لأن جميع اللاعبين في نظام التجارة الإلكترونية في المملكة – التجار والأسواق والمتخصصين في تلبية الطلبات، ومزودي خدمات التوصيل للميل الأخير وغيرهم - يتنافسون على المواهب المحلية، ويحاولون إقناع الموظفين المتميزين من خارج السعودية بقبول الانتقال إلى المملكة.  

يمكن أن تعني المسافات الكبيرة تكاليف شحن أعلى في المملكة العربية السعودية مقارنة بدولة الإمارات العربية المتحدة الصغيرة نسبياً. لكن بالنسبة لمشغلي التوصيل للميل الأخير، يتم تعويض هذه التكاليف جزئياً على الأقل لأنهم يوظفون سائقين وموظفو توصيل بريدي من الجنسية السعودية. في دولة الإمارات العربية المتحدة، معظم موظفي التوصيل هم من مواطني دول ثالثة ممن يحتاجون إلى تأشيرات وسكن وأماكن إقامة وغيرها.  

ما المنتظر في المستقبل القريب؟

تشير الإحصائيات إلى إمكانات سوق التجارة الإلكترونية السعودي.  

يقول موقع Checkout.com أن 91% من المتسوقين السعوديين "يتسوقون بانتظام (عبر) التجارة الإلكترونية". وأن 14% من السعوديين ينفقون أموالهم عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل يومياً، وأن المدفوعات الرقمية تكتسب قبولاً سريعاً.  

ومن المتوقع أن تشكل المبيعات عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 21% من إجمالي إيرادات التجزئة هذا العام، في الوقت الذي تشكل التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية حوالي 7% فقط من إجمالي أنشطة التجزئة. هذه فجوة يحرص تجار التجزئة الإلكترونيون على سدها، ومن الواضح أن الاتجاهات في صالحهم: يقول تقرير وزارة التجارة الأمريكية لعام 2022، نقلاً عن بحث أجرته (BCG) و(Meta)، إن متوسط الإنفاق لكل مستخدم للتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية ارتفع بأكثر من 50% خلال السنوات الثلاث الماضية.  

ومع النمو الهائل على المدى القريب والذي أصبح شبه مؤكد، تستطيع المملكة العربية السعودية أن تجعل من المتشككين المتبقين على قناعة بإمكانية الحدوث.  

برهان بن مينا هو الرئيس التنفيذي لشركة Shipa للتوصيل، مزود خدمة التوصيل في نفس اليوم وفي اليوم التالي وعند الطلب في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.